السبت، 13 أكتوبر 2018

الاقتصاد الروماني ودور التجارة في العهد الامبراطوري الاول

مقدمة :

لم يكن للوحدة السياسة في الدولة الرومانية في العهد الامبراطوري ان تكتمل ما لم يتحقق لها ادنى حد من وحدتها الاقتصادية والاجتماعية تشد بين اطراف هذه الوحدة  .فالجمهورية ليس انها لم تفعل شيئا في سبيل تحقيق مثل هه الوحدة بل لم تهيى لها الظروف لظهور عفوي ,اذا ان جل همها انصرف لاشباع حاجات روما المباشرة بالاستغلال والاحتكار المباشر لخيرات وثروات البلاد المفتوحة وان توفر للايطاليين احيانا بغير رضى منها المنافع التي يتمتع بها المواطنون من سكان روما , دون ان تضمن لهم الوضع الحقوقي المساوي  لما ينعم به المواطن الروماني في المدينة , اما الامر فقد تما على غير ذالك مع الامبراطورية تحت تاثير ادارة واعية مدركة لاغراضها ناشدة لاهدافها من جهة ومن جهة اخرى بفضل التطور والتغيرات الذي خضع له وضع الامبراطورية العام خلافا للعهد الجمهوري بعد ان عرفت ان تهيء له الاسباب اللازمة واهم هذه التغيرات كان استباب السلام الروماني Pax Romana وانتظام الادارة في الولايات ..وقد صحب هذه التغييرات انقطاع دابر الارتبكات الادارية  وتوقف استغلال هذه الولايات المفرط لصالح اقلية ضئيلة من اصحاب الامتيازات , صحيح انه بقى شيء من هذه الامتيازات في النظام الجديد انحصرت في بعض المقاطعات و لفائدة فئة قليلة  من الناس تميزت عن غيرها في هذه المناطق والطبقات الى ان الفارق الذي كان يميز وضع هؤلاء عن وضع اولئك لم يكن ليثير الحفائظ والضغينة في القلوب والنفوس من سكان الامبراطوية , بينما حرص الاباطرة على انتقاء اصحاب هذه الطبقات اقله فيما يتصل بالافراد  بصورة اوسع وبشكل ارحب من سكان باقي الولايات و وفقا لقواعد واصول جديدة , وهكذا اطل على الدنيا في الحقلين الاقتصادي والاجتماعي طراز حياة جديد شاع وعمم ولم يلبث ان رسخ في الارض , وكان من مظاهر هذا الوضع ومن نتائجه ايضا ان روما لم تتنازل و تشارك فيه على قدم المساواة وبقيت محافظة على بعض ما كانت تتمتع به من امتيازات مقارنتا برعايها  , الى انها عولت الا يكون دورها فيه غير دور عاصمة تؤمن الانسجام بين اجزاء مقاطعتها وتجري بينها العدل والمساواة ,,,,,
______________________________


ان الشعور الذي ساد الجميع من سكان الامبراطورية خلال القرنين الاولين الميلادي هو ان الحياة الاقتصادية تميزت بالازدهار والانطلاق , وقد راح معاصرو هذا العهد يعزون الفضل هذا كله للجهاز الاداري للامبراطورية ولا سيما للاباطرة انفسهم وهم في ذالك يرددون ما تنفخ به ابواق الدعاية الرسمية للدولة .ومع هذا اننا لانستطيع ان نعزو فضل ذالك اليهم اي الاباطرة الى من ناحية فرعية  باعتباره نجاحا او نتيجة لسياستهم الحربية والادارية التي ادت الى تنظيم الجهاز الاداري و النظام القضائي في الولايات وتوطيد السلام في ربوع الامبراطورية وهو بتالي ما انعكس و خلق حالة من الازدهار الاقتصادي هذا من جهة ومن جهة اخرى فان الاباطرة انفسهم كثيرا ما احترزوا من تطبيق سياسة اقتصادية موجهة ولا سيما من وضع فلسفة اقتصادية تقوم على توجيه الدولة للاقتصاد ولعل خير ما كانوا يرجونه الا يتدخلوا في امور وموضوعات كثيرا ما اوعزتهم الحيلة في معالجتها وما كانوا ليرغموا على لتدخل بتاتا لولا اظطرارهم لمواجهة قضيتين عصيبتين هما تامين تموين روما بالقمح وتموين الجيش الروماني على الحدود ....

لقد كانت روما اذ ذاك مدينة ضخمة عملاقة من كبار ميتروبوليس العالم القديم لم تبلغ بعدها مدينتا هذه الضخامة الى غاية بداية الثورة الصناعية في اوربا وقد اختلف المؤرخون وتباينوا كثيرا فيما بينهم حول عدد سكانها وذالك لقلة المصادر الموثوقة التي يصح الاعتماد عليها فقط فرط بعض هؤلاء المؤرخون المعاصرون وراح يقارب سكان المدينة بمليوني نسمة بينما القول بمليون نسمة لم يكن بمبالغة او مستغرب , ومهما يكن من الامر , فهذه الجماهير المجمهرة التي تعمر بها العاصمة لم تكن لتنتج شيء كبيرا من عهد بعيد وقد اقتصر نشاط اليد العاملة فيها على بعض المصنوعات اليدوية لسد الحاجات المحلية , فالمدينة قبل كل شيء مستهلك اكول دون اي بديل او عوض وهي الى هذا مستهلك الف منذ عهد سحيق ان يعيش حياة رخيصة نظرا للتدابير التي كانت تتخذها الحكومة لتبقى اسعار القمح رخيصة ولتوزع القمح مجانا على المواطنين الفقراء والمعوزين او ما كان يعرف بقفة الاعانة sportula  ولما كانت عملية توزيع الحبوب والقمح المجاني جزءًا من استراتيجية القيادة الرومانية للحفاظ على الهدوء بين سكان المدينة و المناطق الريفية المضطربة من خلال تزويدهم بما يسميه الشاعر الروماني جوفينال بسخرية "الخبز والسيرك panem et circenses "  كان من المستحيل مجرد التفكير بقطع هذه التقاليد المرعية منذ القدم وضرب عرض الحائط بها لما في ذالك من تهديد للسلم والامن الاجتماعي من جهة ومن جهة اخرى باعتبار ان الامبراطور في نظر الجماهير هو الخليفة الشرعي للحزب الشعبي الديمقراطي populares وممثل التريبيون حامي الشعب ونصيره , فكان على الامبراطور والحالة هذه ان ينظم على احسن وجه مصلحتي التوريدات و مصلحة توزيع القمح Cura Annonae و cura alimentorum distribuendorum لتامين العيش لما لا يقل عن 200 الف نسمة او ما يزيد قليلا عن هذا العدد في عهد اغسطس من فقراء روما ومعدميها الموزعين على 45 دائرة من دوائرها , يتلقون على مدى ايام الشهر مجانا كمية القمح اللازمة لاعالتهم , اما الباقون فكان على دائرة التموين ورئيسها Praefectus alimentorum ان تسعى جاهدة لتامين حاجاتهم بصورة منتظمة وباسعار مقبولة  , اما في اوقات الفاقة والمجاعات  فكان الامبراطور يدفع من ماله الخاص لتجار القمح لتامين احتياجات للشعب كما حدث في عهد تيبريوس الذي حذر خلفائه انه اذا اهملت مصلحة توزيع القمح بالمجان فسيكون ذالك خراب الدولة المطلق  .


توزيع الخبر بالمجان كما تظهر في احد جدريات مدينة بومبي

https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/6/67/Pompei_-_House_of_Julia_Felix_-_2_-_MAN.jpg/744px-Pompei_-_House_of_Julia_Felix_-_2_-_MAN.jpg 

 كل هذا وما اليه الى جانب هبات الاعياد والالعاب المعدة للترفيه عن الشعب , كالاعطيات  congiaria التي توزع عينا ومقدارها 445 sestertius في عهد اغسطس و 300 sestertius في عهد تيبريوس وكاليغولا  وهو الرقم المالوف ثم ارتفعت الكمية في القرن الثاني بعد اخضاع داسيا الغنية بمناجم الذهب بحيث تجاوزت 650 denarius  في عهد ترجانوس وبلغت 1000 في عهد هدريانوس لتنزل الى 850 sestertius في عهد ماركوس اوريليوس واستقرت على 800 sestertius  في عهد كومودوس , وهي مبالغ كانت توزع على المواطنين المتوسطي الدخل اثناء بعض الاعياد الذين لا يستفيدون من المساعدة الغذائية المجانية  وهذا في ما يتعلق بالمساعدات المادية والعينية اما من حيت جهة الادارة الفنية لاستيراد وتنظيم توزيع هذه المساعدات فكان ذالك يعني انشاء مفوضتي التموين والتوريد  cura alimentorum و Annonae و توفير وسائل النقل البحري وتجيهز ارصفة نهر التيبر وتجهيزيها بمخازن القمح الى جانب تهياءة وتوسيع مرفاء اوستيا مرفىء روما الرئيسي لاستقبال عبارات القمح الضخمة التي تجوب المتوسط من شرقه الى غربه ..

اما امر تموين الفيالق وتجهيزها بالعدد والعتاد والمؤونة فقد وضع الدوائر المعنية امام مسؤولية ثقيلة كان حلها مع ذالك ابسط واسهل من تموين الشعب فمجموع افراد الجيش المطلوب اعالتهم من العراق والقوقاز الى بريطانيا وافريقيا لم تتجاوز اعدادهم 300 الف جندي وكانت اقل من هذه الجماهير الشعبية التي يجب مساعدتها في روما ثم ان هذا الجيش لم يكن مجتمعا او محتشدا كهذه الجماهير المتراصة في روما والتي تعجز اخصب السهول المجاورة عن اشباعها بل كان موزعا على الحدود في قواعد  ثابتة تحمي الاراضي والمزارع التي كانت تستغل في المؤخرة وكان يكفي لتامين حاجته من الطعام بان يحصل من الولايات الغنية القريبة له  فائضا كافيا من محصول الارض او موارد غذائية اخرى وان يؤمن نقلها بحيث تصل الى المستهليكن بسلام , اما المشكلة الاولى فكان حلها اسهل بواسطة الاموال التي استخدمت لشراء فائض المحصول لتموين الجيش , اما المشكلة الثانية فهي الادق والاصعب سواء للجيش او لروما نفسها و صعوبة الاولى نظرا لوقوع هذه الحدود والقواعد العسكرية في مناءى عن البحر المتوسط وموائنه  وهذا ما دعا لشق الطرقات البرية عندما يتعذر النقل النهري, اما بالنسبة لروما فقد كانت الممرات الملاحية التي تربط روما بمراكز إمدادات الحبوب (مصر وشمال إفريقيا وصقلية وربما أماكن أخرى) ذات أهمية استراتيجية. كل من يسيطر على إمدادات الحبوب كان له مقاييس هامة للسيطرة على مدينة روما.
 
حيث كان توفير الحبوب إلى روما مهمة شحن رئيسية وإدارية للرومان.و لم يكن من الممكن توفير احتياجات روما عن طريق النقل البري. كون "شحن الحبوب من أحد أطراف البحر الأبيض المتوسط ​​إلى البحر" أرخص من "حمله عن طريق البر
، وهكذا  كان هناك أسطول كبير من سفن الحبوب  مطلوبة لجلب الحبوب من صقلية وسردينيا القريبة نسبيا ، و شمال أفريقيا البعيدة ، ومصر الأكثر بعدا. في مسافات الخطوط المستقيمة (والسفن الشراعية لا تسافر عادة في خطوط مستقيمة) ، كانت المسافات من صقلية إلى روما أكثر من 500 كيلومتر (310 ميل) ،و من قرطاج في شمال أفريقيا أكثر من 600 كيلومتر (370 ميل) ، ومن مصر المزيد من 2000 كيلومتر (1200 ميل). وقد تكون أوقات الإبحار من موانئ أوستيا (بالقرب من روما) وبوتولي  Puteoli (بالقرب من نابولي) إلى الإسكندرية في مصر قصيرة لمدة 14 يومًا.الى  إن العودة إلى روما تستغرق وقتًا أطول لأن الرياح كانت عادة سلبية وكان على السفن أن تعانق السواحل والسفر بطريقة مستديرة "كانت الرحلة ... من الإسكندرية إلى روما معركة مستمرة ضد رياح كريهة." وقدر ليونيل كاسون أن متوسط ​​الوقت للرحلة كان 70 يومًا تقريبًا بحيث كانت الحبوب تعابء في أكياس خاصة، بدلاً من حملها في حاويات السفن.حفاظا على جودتها من رطوبة البحر 

 وبالنظر إلى الوقت اللازم لتحميل وتفريغ سفن الحبوب يدوياً ، فمن المرجح أن تكون السفن التي تعبر مسار مصر إلى روما قد أكملت رحلة واحدة في السنة فقط. ويمكن القيام بالعديد من الرحلات المستديرة سنوياً من شمال أفريقيا أو صقلية.والى هذا يعتقد ان اسبانيا كانت أيضا مصدرا هاما لزيت الزيتون ، وربما الحبوب. وذا كان موسم الحصاد للحبوب في مصر القديمة من أبريل إلى أوائل يونيو. ووقت بدأ فيضان النيل السنوي في شهر يونيو ، فبالتالي كان من الضروري الانتهاء من الحصاد قبل أن تغطي مياه النهر الأرض.و يبدو أن الحبوب في مصر كانت تحصل عليها روما كضريبة على المزارعين. حيث تم نقل الحبوب في الغالب من خلال المراكب على مختلف روافد نهر النيل إلى بحيرة Mareotis المتاخمة للجزء الجنوبي من مدينة الإسكندرية. هناك يتم تفتيشها ومعاينة الجودة ، وعندما يتم قبولها ، تنقل إلى ميناء الإسكندرية العظيم ، حيث تم تحميلها على متن السفن الى روما. اما الحبوب من شمال افريقيا. فقد وجد علماء الآثار في شمال أفريقيا تسعة وعشرون ميناءًا (غير مصر) ، يُحتمَل أن يكونوا مصدرًا حبوبًا إلى روما ، تراوح مكانها من ليبيا إلى المغرب وربما كان اكبرها  قرطاج. وبالنظر إلى عدم وجود أنهار صالحة للملاحة في المنطقة ، تعين نقل الحبوب إلى هذه الموانئ عن طريق البر ، مما يوحي بأنه ، بسبب تكلفة النقل البري ، زرعت الحبوب على مقربة من الموانئ. و من المحتمل أنه تم نقل الحبوب إلى الموانئ في عربات بأربعة عجلات مرسومة بواسطة أربعة ثيران ، كل عربة تحمل 350 كيلوغراما (770 رطل) إلى 500 كيلوغرام (1100 رطل) و قد تكون الحبوب من Cyraenica (ليبيا) القديمة مهمة لأن الحصاد المبكر يمكن أن يمد روما قبل أن يتم حصاد مناطق زراعة الحبوب الأخرى. 

وخلال العهد الجمهوري ، تم شحن الحبوب إلى مدينة روما من صقلية وسردينيا و خلال القرن الأول قبل الميلاد ، كانت المصادر الرئيسية الثلاثة للقمح سردينيا وصقلية وشمال أفريقيا ، أي المنطقة التي كانت مركزًا في مدينة قرطاج القديمة ، تونس الحالية. ومع انضمام مصر إلى الإمبراطورية الرومانية عهد الإمبراطور أغسطس ، أصبحت مصر المصدر الرئيسي لتوريد الحبوب لروما ،وقد كان المؤرخ جوزيفوس يدعي أن أفريقيا كانت تغذي روما لمدة ثمانية أشهر من السنة ومصر أربعة فقط. على الرغم من أن هذا التصريح قد يتجاهل الحبوب من صقلية ، ويبالغ في تقدير أهمية أفريقيا ، إلا أن هناك القليل من الشك بين المؤرخين بأن أفريقيا ومصر كانت أهم مصادر الحبوب لروما الى جانب قمح البحر الاسود القادم من مملكة البوسفور العميلة في ما يعرف اليوم بالقرم , و في الفترة الجمهورية وللمساعدة في ضمان  إمدادات الحبوب  لروما ، ، قام Gaius Gracchus بتوطين 6000 مستعمر قرب قرطاج في القرن الأول قبل الميلاد ضمن ما عرف بمشروع قانون سمبورنيا Lex Sempronia ، ومنحهم حوالي 25 هكتارًا (62 فدانًا) لزراعة الحبوب التي يعاد تصديرها لروما كما نصت حزمة قوانين Lex Sempronia المثيرة للجدل حينها على ان يتم توزيع القمح على المواطنين الرومان بالمجان منعا لاستخدام سلاح القمح في الانتخابات القنصلية كوسيلة لتقرب من المواطنين وكسب تعاطفهم 

 https://www.archaeology.org/images/MA2015/Portus/Roman-Ports-Boat-Grain.gif

وهذه المسؤوليات الحكومية تقتضي للنهوض بها المال والاخصائين فاذا ما نظرنا اليها بمنظار العالم الروماني والمستوى الحضاري المادي الذي حققته بعض اجزاء هذا العالم فلم تكن هذه المهام والمسؤوليات التي واجهها فوق طاقته اذا ما توفرت له ادارة رشيدة حكيمة فالمال الذي كان لا بد منه لتحقيق هذا كله كانت توفره موارد البلاد الاقتصادية ولم يكن ليكلف عبئا ثقيلا عليها
فابسثتاء مصر التي بقيت خاضعة لنظام خاص من الاستغلال والاستثمار لا رحمة فيه للفلاح المصري كان الوضع القائم مؤاتيا لحياة اقتصادية ناعمة تعم جميع اطراف الامبراطورية لا سيما والاستقرار السياسي الذي تنعم به البلاد كان يشجع على القيام بهذا المجهود فروما والجيش وشعوب الامبراطورية الذي فاقوا الخمسين مليون نسمى  الفا في الامبراطورية سوقا للاستهلاك لا حدود لها تقريبا اذا كان من اتساع هذه الحاجات وتنوعها ما يتطلب المزيد من انتاج محاصيل الارض فالي جانب القمح الذي كان يؤلف اساس الغذاء يجب ان نضيف محاصيل غذائية اخرى متنوعة يتطلبها الكثيرون من الزبائن والمستهلكين  ومقادير هائلة من المنسوجات والمصنوعات التي يمكن نقلها على طريق القائمة في جميع اطراف الامبراطورية

وقد كانت روما لوحدها قطب جذب ومركز ثقل هائل لكل ما يمكن ان يبلغ في طريقه الى موانىء البحر المتوسط , حتى ما كان منها من الكماليات الغالية الثمن لوجود اصحاب ثروات هائلة طائلة في احيائها وصروحها , اما تمركز الفيالق ضمن قواعد ثابتة على اطراف حدود الامبراطورية وحدودها المتاخمة لشعوب البرابرة قد بعث في هذا الاقطار المتاخرة في تطورها عن ركب الحضارة , ونتيجة حتمية لاحتكاكهم بالعالم الروماني نشاطا اقتصاديا عارما لم تعرفه من قبل كان من بعض نتائجه الخيرة احياء الارض و اعمارها واستقرار السكان في قرى سرعان ماتحولت الى مدن على حدود الامبراطورية وانشاء المصانع والمعامل في ارجائها , ثم ان شبكة الاتصال المنتظمة داخل الامبراطورية  والتي تربط مقاطعتها الساحلية بالمقاطعة الواقعة في مؤخرتها , اضافة الى حركة الملاحة في المجاري المائية والنهرية الكبرى مهد السبيل امام حركة تبادل تجاري جبارة وكبرى ليس فقط مابين اقطار الامبراطورية الداخلية بل حتى مع عالم ماوراء الامبراطورية المتبربر والذي لم تقتصر فيه المبادلات على البضائع الاستهلاكية فقط ...

وهكذا فان القضية المحسوسة الكبرى التي اهتم بها الى حد بعيد المؤرخين اليوم كما همت المعاصرين لتلك الحركة الاقتصادية , تبلورت حول تشعب العلاقات التجارية وتشابك هذه العلاقة التجارية ,التي ضمت الاقطار الشاسعة الواقعة في شمال اوربا الغربية وشواطى الضفة الغربية للبحر المتوسك الى الوحد الاقتصادية التي اقتصرت في ما مضى على شواطى البحر المتوسط الشرقية وعالم الشرق الادني الهيلنستي فجاءت الفتوحات الرومانية وربطتها بقلب ايطاليا في العهد الجمهوري ثم راحت هذه الوحدة الاقتصادية تتسع في العهد الامبراطوري لتضم في نطاقها قطاعات ما وراء الدانوب والرين وجنوب اسكندينافيا وغرب روسيا وشمال اسكتلندة , وهكذا نرى سكان اسكندينافيا يتاجرون مع ايطاليا وجنوب بريطانيا يتاجر مع لبنان في الوقت الذي ذهب فيه التجار السوريون يجوبون جميع اطراف العالم الروماني الذي كان قبل كل شىء وحدة سياسية وعسكرية ولم يلبث ان اصبح وحدة تجارية واقتصادية ناشطة حية بفضل الروابط التي شدت دوانيه الى اقاصيه عبر البحر المتوسط

وهذا الازدهار التجاري توفرت له عوامل تقنية في غاية الملائمة , فمن مقومات هذا الازدهار هذه الامبراطورية المترامية الاطراف ذات العملة و الجهاز الاداري والنظام القانوني الموحد في جميع اقاليمها والغنية بالانتاج المتنوع والغلال المتعددة والمحاصيل الزراعية المختلفة والاساليب والمنتوجات الصناعية المتباينة , وكان السفر والتجوال في جميع اطرافها حرا لجميع رعاياها لا يحد من امكانياته الى ازدواجية اللغة : اليونانية في الشرق واللاتينية في الغرب , ومع ذالك لم تؤلف هذه الازدواجية عقبة استعصى حلها في وجه النشاط الاقتصادي, وانتقال المحاصيل الزراعية من ولاية الى اخرى حضى بالحرية نفسها لتنقل الافراد, باستثناء الحبوب المصرية التي لم يكن الاباطرة يسمحون  بتصديرها لغير ايطاليا الى في ما ندر, وكانت هذه المبادلات تخضع بالطبع لرسوم وضرائب اختلفت في اقدراها ونسبها حسب طبيعة الحمولة واوزانها و وسائل نقلها و وجهة سيرها ومن بين هذه الرسوم الرسم الاقليمي portoria الذي يعتبر اول نوع من الضرائب الغير المباشرة التي ظهرت في التاريخ والذي كانت تفرضه الدولة الرومانية على البضائع التي تجتاز شبكة الطرق المركزية الكبرى كضريبة عن حق استغلال الطريق كما لو مرت البضائع في الطرق الالبية التي تفصل غاليا عن ايطاليا او طرق اسيا الصغرى التي تفصل سوريا عن اليونان وما يجد الاشارة اليه ان نسبة رسوم استغلال الطرق المركزية كانت اكثر ارتفاعا في الشرق منها في الغرب نظرا لارتفاع نسبة قيمة البضاعة المستورة والمصدرة التي تاتي وتذهب ايابا ياتجاه الشرق حيث بلغت تلك النسبة ما يساوي 5 بالمائة من قيمة البضاعة في حين انها قلما تجاوزت نسبة 2 بالمائة في الولايات الغربية ,  وقد كان لهذ الرسم نفس مفهوم الرسوم الجمركية في وقتنا الحالي  حيث كان يفرض عند مداخيل وبوابات بعض المدن الكبرى قبل دخول هذه السلع الى تلك المدن او عند اجتياز حدود الليمس الروماني بالنسبة للبضائع القادمة من خارج الامبراطورية , وقد  فرضت هذه الضربية التي اشتقت اسمها من اسم الميناء باللاتينية portus منذ بداية العهد الامبراطوري على السفن التجارية الراسية في الموانىء الكبرى كالاسكندرية و قرطاجة وروما ونابولي باستثناء عبارات شحن الحبوب التي كانت معفية من هذه الرسوم..

وهذا وقد انشائت الدولة شبكة من الطرق المركزية الممتازة وتعهدت بصيانتها والرعاية بها وتبرز اهمية هذه الطرق اذا قارنها بما كان سائد قبلها اذا كانت مجرد مسالك تعارف الناس منذ امد بعيد على الترحال اونقل بضاعتهم عبرها , وقد حقق مهندسوا الطرقات الرومان انجازات هندسية جبارة تعد بحق من معجزات الهندسة المدنية انذاك , اذ تمكنوا من تخطى النواتىء الطبيعية من جبال ووديان ومنحدرات وانهر صعبة الاجتيازات ومدو شبكة من طرق تتخلها مجموعة من الجسور والقناطر التي شقت عباب انهر الدانوب والراين ومن عجائب الطرقات الرومانية انذاك هو تجهزيها بما يعرف اليوم باشارات الطرق وباحجار قياس المسافة الكيلموترية او مايعرف بالاتينية ب Miliarium والتي كانت توضح اسماء المدن التي تقود اليها الطريق مع ذكر المسافة المتبقية من الحجر الى المدينة او اتجاه المدن و اسمائها بالنسبة للاشارة الطرق , والى هذا فقد بنيت جميع المدن الجديدة كتيمقاد وفقا لمخطط شبكة الطرق المتعامدة التي سهلت حركة النقل والتجارة وقد كانت هذه الاعمال الهندسية مثال للجرءاة فكل الاباطرة الذين تعاقبوا على الحكم ترك اثاره المعمارية البارزة التي تحدت الدهر ولا تزال ماثلة الى اليوم ,,,ولكن حذار ان نضخم اكثر مما يجب واقعا متحيزا لهذه الحضارة التي لا نزال نطائطىء الراس امامها , اذ ان وسائل استخدام الحصان والنقل لم تعرف نفس التطور والنجاحات التي عرفها فن الهندسة المدنية الرومانية في مجال بناء الطرق , فبيطرة حيوانات الجر بقيت عادة محدودة لم يشع استعمالها خارج مخيمات الجيش , وطريقة كدن الحصان الى العربة ظلت بدائية اذ استمروا في استعمال سيور يؤثر ضعطها على صدر الحصان وحركة تنفسه ,ولذا قلما زادت حمولة عربة يجرها جودان على 500 كلغ وهي كمية قليلة هينة تبهظها وترهقها تكاليف الرسوم والسفر , فالطرقات الامبراطورية التي لا تزال تبعث في النفس الدهشة والاعجاب لصمودها و انسيابها في صراط قويم غير مبالية بموانع الطبيعة , كانت تصلح لنقل البريد الاداري الامبراطوري  cursus publicus و تنقلات المسافرين الذين لم يكونوا ليحملوا معهم اكثر من متاعهم وقبل كل ذالك لتحركات الجيوش اكثر مما صلحت او استغلت في تنشيط حركة التجارة والاقتصاد خصوصا في ذالك الشطر الشرقي من الامبراطورية ...


http://www.alexanderkutsche.de/foto/FotosN30/P1040643.jpg

 ولهذا راحت الحركة التجارية تعول بالاكثر على النقل البحري فقامات اساطيل وعمارات يقودها مجذفون تمخر المتوسط ومجاري الانهر ذهابا و ايابا حتى ما كان منها صعب المسالك كنهر الرون ونهر الاود , وقد لجاء المهندسون الرومان الذين عرفوا بجراتهم في مجالات التعمير والبناء الى حفر الترع والاقنية المائية لتقليل المسافة ومدة السفر عن طريق اختصار المسالك , ومن الاقنية القليلة التي عرفت عنهم وما تزال ظاهرة الي اليوم قناة تتعلق بمجرى الراين الاسفل ولا سيما قناة Fossas Drusianae او قناة دروسوس العسكرية  و المعروفة  اليوم باسم ايسيل IJssel التي كانت تربط الراين ببحيرة فليفو Flevo Lacus المعروفة ببحيرة Zuiderzee  بهولندا اليوم , او القناة التي بداء بها قيصر واستمر نيرون في العمل عليها في مايعرف اليوم بقناة كورنثية او Dhioryga tis Korinthou  والتي كانت تهدف لشق برزخ كورنثية وتفتح الطريق المباشر ما بين بحر ايجه والبحر الايوني لتفادي الدوران حول شبه جزيرة البيلوبينز جنوبا ..

وعرفت الملاحة في البحر المتوسط ازدهارا غريبا بعد ان قضي على اعمال القرصنة التي تعرض لها منذ ان دمر الرومان قوة رودوس البحرية في القرن 2 ق م , ولكن على الرغم من استتاب الامن وضمان حرية الملاحة البحرية في المتوسط بفضل العناية التي اولها الاباطرة لسلامة امدادات القمح من مصر وافريقيا , الى ان تطور صناعة السفن التجارية لم تعرف اي تطورا ملموسا يراعي ويواكب هذا النشاط الدؤب في حركة التجارة المتوسطية واستمرت هندسة السفن واحجامها متوسطة على الاجمال ذو حمولة وسرعات متوسطة ساهمت الى حد كبير في خفض وتيرة النشاط التجاري ورفع تكاليف الرحالات التجارية حيث كثيرا ما اظطر التجار شحن بضاعئهم في اكثر من رحلتين وهذ ما انعكس ايضا على اسعار البضائع التي شحنت ذهابا وايابا , وعلى نقيض هذا فانا الاسطول الامبراطوري الخاص بدائرة التموين ونقل الحبوب Cura Annonae كانت تخضع لتصاميم خاصة اتى المؤرخ الروماني بليني الاكبر على ذكرها , حيث بلغت من ضخامتها انه كان منها ما استخدم لحمل المسلات فرعونية او قواعد تماثيل بوزن لا يقل عن 500 طن بقطع النظر عن صابور السفينة الذي كان يبلغ احيانا وزن 800 طن اما في ما يخص القمح فقد كانت حمولة السفينة الواحدة تقدر ب 350 طن تحفظ في اقسام خاصة منعا لتعرضها للرطوبة والتعفن  , وعلى الاجمال ظلت عبارة القمح الامبرطورية  الاكبر على الاطلاق الى غاية ظهور عبارة الاطلسي البخارية atlantic steamer  في القرن 19 م , ونظرا لحاجة روما إلى مئات أو حتى آلاف السفن لنقل الحبوب فقد شجعت الدولة مصانع الخواص
collegia navicularii على بناء السفن الكبيرة وكثيرا ما استغلت الادراة الرومانية سفنا مملوكة للقطاع الخاص في نقل الحبوب. وقدمت الحكومة الرومانية إعفاءات واستثناءات ضريبية لتشجيع بناء السفن وتجارة الحبوب ، وواجهت مخاطر الشحن على نفسها من خلال توفير شكل من أشكال التأمين لمالكي السفن

وقد ادى اعداد  المرافىء البحرية منها والنهرية وتهيئتها الى القيام باشغال عظيمة حذا المهندسون الرومان حذو اسلافهم اليونان وفاقوهم في اشياء كثيرة تشهد عليها معالم موانىء الاسكندرية و بمبيوبوليس في كيليكية وطرابزون على البحر الاسود بتركيا وغيرها , ولكن لم تبلغ هذه الاشغال من العظمة والجهد ما بلغه اعداد مرفاء اوستيا Portus  مرفاء روما الرئيسي ولا تزال ماثلة الى اليوم معالم الانشاءات الجبارة التي قام بها المهندسون الرومان كالارصفة الضخمة التي اقاموها لكسر قوة امواج البحر العاتية والجزر الاصطناعية كجزيرة المنارة praeberi Fari عند مدخل الميناء و جزيرة Isola Sacra او الجزيرة المقدسة التي بنيت ما بين التيبر والبحر التيراني كواحدة من اوائل الجزر الاصطناعية في التاريخ التي تعد بحق احد اعجازات الهندسية المدنية الرومانية  وقد  شقت Isola Sacra  قناة بحرية سميت با Fiumara Grande  تصل ما بين الميناء الرئيسي و منطقة متسودعات  التخزين المسماة horrea في اوستيا والتي خصصت حصرا للمرور مراكب الحبوب التي كانت تنقل حمولة الحبوب من الميناء الى القطاع الجنوب للميناء حيث توجد مستودعات التخزين horrea او تنقله مباشرتا الى روما عبر نهر التيبر 

   
صور جدارية رومانية لميناء اوستيا عام 113 م 

https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/5/5e/Rome-Portus-Vatican-Fresco.gif 
 مخطط توضيحي لمرافق ميناء اوستيا 

https://www.ostia-antica.org/map/plan1.gif


النقد و العملة الرومانية : 

قام في خدمة التجارة حتى اواخر القرن الثاني للميلاد عملة رومانية قوية وسليمة وقد اجيز لبعض المدن الكبرى وعلى راسها انطاكية و الاسكندرية في الشرق وكورنثية في اليونان التي نعمت بحقوق المواطنة الرومانية سك بعض النقود من الفضة وبالاخص البرونز ومثل هذا الامتياز الذي كان قابلا للالغاء خضع بطبيعته لمراقبة شديدة من قبل السلطات الرومانية المركزية في الولايات المعنية , والتعامل بهذه العملات التي اطلق عليها علماء المسكوكات المعاصرين اسم العملات الاستعمارية كان يتم في نطاق ضيق لا يشمل التجارة الخارجية الى انه فتح المجال امام اعمال الصرافة المحلية من حيث توفير السيولة النقدية  والتي عرفت الحركى التجارية المحلية ان تستفيد منها بيسر لوفرة النقد الرسمي المتداول بين الناس ,,وقد كان سك العملة البرونزية assēs حقا محصورا بمجلس الشيوخ ويخضع بتالي لمراقبة شديدة من قبل الادارة الامبراطورية لانها كانت عملة رسمية للدولة ,ولتجنب التضخم وتفادي هبوط قيمة النقد اعتمد الرومان في سك العملة البرونزية على خليط من الرصاص والزنك مع النحاس والقصدير ,وكانت قطعة البرونز المثالية as تلك القطعة التي تساوي ربع sestertius فضي وهذه القطعة بقيت الوحدة الاساسية في التداول حتى في المبالغ الكبرى خصوصا في الغرب وايطاليا .....

وقد احتفظ الامبراطور لنفسه بحق سك العملة الذهبية  aureus  والفضية denarius  وقد طبق دوما خلال هذين القرنين القرار الذي صدر في عهد اغسطس بجعل قيمة الاوريوس الذهبي تساوي 25 دينار فضي ,بالرغم من التطورات التي لحقت فيما بعد بهاتين العملتين , وكان من جراء سيطرة الامبراطورية على مناجم الذهب في داسيا بعد فتحها في عهد تراجانوس ان ضعفت القيمة الشرائية لعملة الذهب التي بعد ان كانت 12 ضعف قيمة الفضة في عهد اغسطس , واذا بها تهبط الى 9 اضعاف وهذا بعينه يفسر لنا الهبوط الذي لحق بالدينار من حيث وزنه وعياره, فاذا مابقي عيار الاريوس الذهبي عاليا اي بنسبة 96 بالمائة واذا كان وزنه لم يهبط الى بالنسبة 10 بالمائة , فالهبوط الذي لحق الدينار كان اشد لا سيما ما تعلق منه بالعيار اذ سقط من 98 بالمائة الى 88بالمائة مطلع القرن الثاني ..

هذه المعطيات والارقام التي اتينا على ذكرها تثبت بوضوح قوة العملة الرومانية خلال القرنين الاولين للميلاد وان الاباطرة باستثناء نيرون لم يلجاؤو الى المضاربات والتلاعب بالنقد للتخلص من الصعوبات المالية التي كان يعانونها ,وهي صعوبات ظلت طفيفة على الاجمال الى غاية عهد ماركوس اوريليوس حيث صادفت الامبراطورية عندها صعوبات جمة على جميع الاصعد - وباء الطاعون في الداخل - وحروب على جبهتين بالخارج وهو ما ارغمها على الاخذ بتضخم المالي وتخفيض قيمة النقد لتموين حملتها العسكرية على الدانوب والفرات مما صاحبه هبوط مريع في عيار الدينار وبغض النظر عن هذا فقد ظلت العملة الرومانية خلال القرنين الاولين وعلى عكس معظم العملات الحديثة ، عملة ذات قيمة جوهرية كبيرة. فعلى الرغم من ان سبائك الذهب والفضة  تحتوي على معادن نقية وثمينة ، فإن قيمة العملة الحقيقية كانت أعلى قليلاً من محتواها من المعادن الثمينة النقية ، و على مدار الوقت تم تقليل نقاء وزن العملات الفضية حيث اضحت تتراوح تقديرات قيمة العملة الفضية ديناريوس من 1.6 إلى 2.85 مرة من محتواه من المعدن النقي ، ويعتقد أنها تساوي القوة الشرائية لـ10 جنيهات استرلينية حديثة (15.50 دولارًا) في بداية الإمبراطورية الرومانية إلى حوالي 18 جنيه استرليني ( 28 دولاراً أمريكياً) في نهايتها مع الاخذ بالاعتبار ارتفاع قمية اسعار المواد الاساسية خلال فترة نهاية الامبراطورية كالخبز والنبيذ واللحوم و ما صاحبها من انخفاض للقدرة الشرائية مقارنتا بفترة بداية وصعود الامبراطورية ...

التجارة الدولية : 

 بالرغم من تنوع ولاياته وتباعدها بقي العالم الروماني قبل كل شيء عالم البحر المتوسط وان امتدت بعض اقاليمه الى القوقاز واطلت اقاليم اخرى على الاطلسي , وهذا العالم الشاسع الفسيح كان اعجر من ان يشبع مطلب الطبقات الاجتماعية وحاجتها لبعض المنتوجات والمحاصيل التي تصنع وتستورد من الخارج وهي في الغالب , منتوجات استبدت باذواق الطبقة العليا المرفهة والمترفة , التي نما فيها الترف نتيجة اتصالاتها الطويلة العهد باسر وارستقراطية الشرق الهيليني الفاحشة الثراء , فتطبعت باذواقهم وتخلقت باخلاقهم وعاداتهم , وهكذا نمت في الامبراطورية الرومانية الى جانب حركة التجارة الداخلية و كنتيجة حتمية لتلبية هذه الحاجيات حركة تجارة خارجية دولية قامت على اساس هش و غير عادل اتسم بعملية الاستيراد الصاخبة والهائلة لمنتوجات الشرق الثمينة وتسببت في تبديد ثروات الامبراطورية ونزوحها الى الخارج نتيجة هذه المبادلات العسكية

وهكذا راح مؤرخوا اليوم يدرسون ويبحثون قضية الميزان التجاري في الامبراطورية الرومانية والامر الذي لاشك فيه هو ان الميزان التجاري كان يشكوا عجزا تسبب في خروج المعان الثمينة من البلاد وانسرابها الى الخارج ويرى بعض المؤرخون ان حركة نزوح الاموال هذه بلغت من الشدة بحيث نشاء عنها هبوط اقتصادي محسوس اتضح جليا في نهاية القرن الثاني للميلاد .

ان التجارة المباشرة مع شمالي اوربا وشرقيها لم يسجل اي هبوط محسوس في الميزان التجاري فبعد ان كان العنبر الكهرمان يتبع في انتقاله طرقا شتى كان ينتهي به المطاف الى ايطاليا عن طريق مدينة اكويلية التي بقيت حقبة طويلة عقدة للمواصلات التجارية مع بلدان الدانوب , وقامت في القرن الثاني حركة تجارية انطلقت راسا من منطقة الراين الاعلى باتجاه الدانوب,كما ان غاليا الشمالية كانت تصدر على نطاق واسع ملاقطها وماشبكها وحليها اتجاه ماوراء حوض الدانوب , وقد اخذ السكيثيون في جنوب روسيا عن طريق نهر الدانوب الاسفل و وساطة مملكة البوسفور في القرم احيانا, يصدرون الى الامبراطورية الى جانب القمح الاوكراني الشهير اليوم والسمك المعد للاستهلاك , فراء الذئاب والنمور والرقيق الابيض , ويحرصون على شراء المشابك الغالية ومصنوعات الخزف والزجاج الرومانية الثمينة , اذ نجد بعض منها في القبور والمدافن التي عثروا في انحاء روسيا الجنوبية , كذالك نجد نقودا رومانية السكة يجري التدوال بها في القرن الثاني في بولندة واصقاع اسكندينافيا وباعتبار ان قيمة صادرات الامبراطورية ظلت دائما اعلى قيمة من واردتها فان التجارة مع هذه المناطق وخروج العملات باتجاه اوربا الشمالية لم يكن يتسبب قط بنزيف مالي يهدد الامبراطورية باي خطر  ,  وعلى هذا المنوال جرى الامر مع اواسط افريقيا , فالتجارة عبر الصحراء الكبرى بقيت دوما قليلة الشان ولم تبلغ الاهمية التي بلغتها مع اوربا الى مع مطلع القرن 3 م , فالبدو الرحل كانوا قبل كل شيء اهل غزو وسلب ونهب , ولذ لك يكن بالامكان نتظيم قوافل تعمل على مواعيد منتظمة , والاستيراد من افريقيا اقتصر على شراء بعض ارقاء الزنوج او بعض الحيوانات الغريبة , اما التجارة عن طريق صعيد مصر فكانت ناشطة حيث ان الحبشة وبلاد اريتيريا الفت سوقا رائجة لمصنوعات الاسكندرية في حين راحت هي تصدر للامبراطورية بالمقابل الاخشاب الصلبة النادرة والعاج والذهب , الامر الذي جعل الميزان التجاري مع هذا الجزء من الارض متساويا ان لم يكن حسنا ,,

اما التجارة مع الشرق فقد الفت المشكلة الكبرى لاقتصاد روما  , اذا كانت الطبقة الثرية في روما تسعى وارء المحاصيل تلك البلاد النائية الثمينة ,  كالطيوب والعطور والبخور والاحجار الكريمة واللالىء والماس والحرير  , وكلها مواد كانت تستورد منذ زمن بعيد من عهد الاغريق, من بلاد العرب والهند والصين واقطار اسيا الجنوبية الشرقية ,  وبرغم من احتجاج المتزمتين و المحافظين على اخلاق المجتمع الروماني من تغلغل العادة الشرقية اليه ونواهي الاباطرة بمنع الرجال من المواطنين الرومان بارتداء الحلي والحرير الذي كان يستورد من الصين , الى ان هذه البضائع الخفيفة الوزن والغالية الثمن , كانت تدر ارباحا طائلة اذ كانت تباع باسعار لا يعرف احد قيمتها الى ما يضعه لها المترفون ممن الفوا اقتنائها وامتلاكها , ولذا كانت هذه السلع الغالية تتحمل بسهولة نفقات النقل من رسوم وضرائب متععدة وعمولة الوسطاء , ونشبت من اجلها منافسة شديدة حول من يتحكم باستيردها ويتحكم بطرق ومسالك عبورها , وبعد ان راءت الامبراطورية بنفسها عدم جدوى القوانين والحملة التي شنتها ضد هذه الكماليات طوال القرن الاول الميلادي , راحت تترك لاحقا لرعياها والواقعين تحت حمايتها حرية الاتجار بها , ثم اخذ تشجعهم وتدافع عنهم بالحروب وقوة السلاح احيانا ,وهي الدولة التي لم يكن يهمها التدخل في الشؤون الاقتصادية ..

وكانت امبراطورية البارثين التي خلفت السلوقيين وحلت بسيطرتها محلهم على بابل وقسم واسع من ايران الحالية , تهيمن على عدد من هذ الطرق التي تسلكها التجارة مع الصين , وكانت احدى هذه الطرق البرية تجتاز ايران من الغرب والشمال لتصل الى مدينة مرو في ولاية مراغا , وهنالك طريق بحرية اخرى تحت سيطرة البارثين كانت تنطلق من مصب دجلة والفرات شط العرب فتصل الى مصب نهر الهندوس , ولكي نفهم اسباب وحقيقة تلك الحروب الطاحنة القاسية التي قامت بين بارثيا وروما خصوصا تلك اندلعت في عهد نيرون و تراجانوس وتتابعت في عهد ماركوس اوريليوس وسعي الرومان الى السيطرة على ارمينيا وما ورائها منذ عهد مبكر للامبراطورية فانما هي تعود بدرجة الاولى الى زيادة اهمية طريق السهوب الذي ينطلق عبر ارمينيا متجها نحو السهوب الاوراسية او تركستان اليوم  بعد الالتفاف حول بحر قزوين او عبوره , ثم يتجهون شمالا نحو نهر الاكسوس القديم او امودريا اليوم ليلتقوا بتجار الصينين القادمين من لوب -نور  متجنبين كل الاراضي البارثية , وما الكتاب الذي قدمه المؤرخ تيريان للامبراطور هادريان وحمل عنون رحلة في البحر الاسود ما هو حلقة مستمرة في سلسلة ابحاث الرومان عن طرق تجارية نحو الصين بعيدة عن سيطرة البارثين , ويكفي القول ان انخفاض معدلات الفوائد التي كانت تجنيها الامبراطورية البارثية من الرسوم والضرائب على القوافل المارة بطريق التوابل و الحرير نتيجة سيطرة الرومان السياسية على ارمينيا واحيائهم لطريق السهوب الشمالية كان سببا وجيها في تجديد العدائيات مع روما وسعي البارثين الى قلب النظام السياسي العميل للرومان في ارمينيا , محاولين اعادة اهمية ومكانة طريق الحرير الاقتصادية المارة عبر ايران, لقد اغنت تجارة طريق الحرير حكام الهضبة الايرانية البارثين وقد استمرت في ذالك عمليا حتى بوقوع ارمينيا تحت النفوذ الروماني, ونظرا لاهمية التجارة لاقتصاد الطرفين , حاولت القوتان المتصارعتان ايجاد حل توافقي ضمني يقضي بعدم ايقاف حركة التجارة الدولية والعمليات الاقتصادية اثناء الحروب لما فيه من مخاطر ضارة لكليهما واتفق بان تكون مدينة تدمر السورية وسيطا تجاريا محياديا للمبادلات التجارة , في حين لم يتورى البارثين في استخدام ميزة سيطرتهم على طريق الحرير لاغراض سياسية و الضغط بها على الرومان للحصول على اتفاقيات سلام تخدم مصالحهم في المنطقة , و في عام 63 م عقدت اتفاقية سلام بين بارثيا و روما والتي تضمنت احد بنودها ان تكون مدينة تدمر السورية وتجارها الوسيط التجاري الحصري والوحيد بين روما وبارثيا وقد ابرزت هذه الاتفاقية نقطتين مهمتين بالنسبة للسياسة الاقتصادية الرومانية في الشرق وهي ان بقاء التجارة الحرة و الغير المقيدة على طول الحدود الرومانية البارثية امر لم تعد تريده وترضي عنه روما نظرا لعدم قدرتها على مراقبة انواع الورادات القادمة الشرق والاهم عدم ارتياحها لكيفية تسرب الثروات الرومانية للمخازن البارثية ,اما النقطة الثانية التي ابرزتها هذه الاتفاقية وهي انه وبرغم من رغبة روما في مراقبة وتنظيم طريق تجارة الحرير الى انها لم تكن راغبة او قادرة على ايقاف تدفق هذه السلع الفاخرة القادمة من الشرق , هذه الديناميكية والرغبة في السلع الفاخرة من قبل الطبقات العليا من المجتمع الروماني هي التي اعطت الزخم للنشاط الاقتصادي والسياسي الروماني في الشرق لاكثر من 250 سنة.. 

طرق التجارة الدولية الرئيسية في القرن الثاني للميلاد 

https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/1/13/Europe_180ad_roman_trade_map.png/1024px-Europe_180ad_roman_trade_map.png

https://www.researchgate.net/profile/Fj_Gonzalez/publication/236881270/figure/fig1/AS:299277092966401@1448364627512/The-Silk-Road-overland-and-maritime-routes-The-overland-and-maritime-commercial-routes.png 

ومنذ عهد الامبراطور اغسطس استطع الرومان ايجاد طريق اخر لتفادي البارثين والاتجار مع الهند وذالك باتخاذ مسالك الجنوب فقد اتاحت الرياح الموسمية , منذ عهد بعيد قيام علاقات تجارية بين العرب والهند , عادت عليهم بمبالغ وارباح طائلة , فقام اغسطس بتجريدة كبيرة ضد العربية السعيدة حيث قام في عام 24 ق م ال praefectus aegypti اي حاكم مصر ايليوس غالوس بقيادة الحملة العسكرية الرومانية على جنوب الجزيرة العربية لاخضاع امارة سباء العربية و السيطرة على مضائق البحر الاحمر خاصة باب المندب وسواحل مملكة النوبة المجاورة ، لكسر الاحتكار العربي للتجارة ، وعلى الرغم من هزيمة الرومان بسبب الطبيعة الصحراوية القاسية للبلاد العربية ، الى ان الرومان سرعان ماحققو بسياسة ما عجزو عن تحقيقه بقوة السيف ، حيث ان كرم العرب واعجابهم بحضارة الرومان حقق بسلام ما فشلت السياسة الرومانية تحقيقه بالحرب ، فسرعان ما توطت اواصر الصداقة بين امراء سباء وحمير مع روما وتخلو لروما طائعين عن السطيرة على المضائق البحرية في البحر الاحمر وبذالك قضى اغسطس على اهمية طريق التوابل القديم ، خاصة وان الرومان كانو قد فرضوا سيطرتهم العسكرية فعليا على ميناء عدن وجزر البحر الاحمر كارخبيل سقومطراي {{ دهلك حاليا }} حيث كانت تتمركز هناك اكبر قاعدة لاسطول البحر الاحمر الروماني خارج ميناء ميوس هورموس بمصر على البحر الاحمر, وانصرف الرومان بعد ذالك لتنظيم علاقات تجارية انطلقت من الموانىء المصرية الواقعة على البحر الاحمر مثل ميوس هورموس في خليج السويس وبرنيكي على موازاة اسوان فربطت هذه الموانىء مع الهند مباشرة , اوعن طريق المرافىء التي قامت الى الجنوب من شبه الجزيرة العربية قبل تخلي العرب عن موانىء  مضيق باب المندب لرومان.. 

وعلى هذا الشكل استطاعت السفن الرومانية بلوغ الهند وسريلانكا والوصول منها الى الهند الصينية ,ويذر المؤرخ اليوناني الروماني الشهير بطليموس , اقصى نقطة انتهى اليها البحارة الرومان وهي كاتيغارا الواقعة ما وراء كيرسونز الذهب بالقرب من مدينة هانوي الحديثة , ويعتقد بعض المؤرخين انها تقع في شبه جزيرة الملايو ماليزيا الحالية , ولعلها التونكين او الصين الجنوبية ,والى ذالك فقد عثر على حوائج واغراض من صنع الرومان في ضواحي مدينة بنديشري في الهند , وعند مداخل اوك-ايو في الهند-الصينية , وفي هذا دليل على ان بعض التجار الرومان بلغوا في رحلاتهم البعيدة هذه المناطق النائية , وان لم ينشئوا لهم فيها مستعمرات ثابتة, ويحدثنا التاريخ عن وفادتين ارسلهما احد ملوك الهند , تحملان هدايا لاغسطس وهو في بلدة تاراغون باسبانيا وفي جزيرة ساموس باليونان عام 25-20 ق م , وهناك روايات تحدثنا عن سفرات اخرى وردت على تراجانوس وبعض خلفائه كما تحدثنا الروايات الصينية عن جهة اخرى من بلاد تا-تسين التي كانت تقع فيما يرجحون , على شواطى المتوسط الشرقية وعن عاصمتها الكبيرة وصروحها الخمسة الشهيرة التي قد تكون مدينة انطاكية عاصمة سوريا الرومانية , وهي تنوه بذات على الاخص بقدوم موفدين عام 166 م من روما اي عهد الامبراطور ماركوس اوريليوس وبلوغهم الصين الجنوبية ..

الزجاج الروماني المنتج في القرن الثاني للميلاد 

https://scontent-mrs1-1.xx.fbcdn.net/v/t1.0-9/15027567_1144157319002870_5544194378391243128_n.jpg?_nc_cat=102&oh=a8b5897613b5e6c185be1b98cec0319c&oe=5C5AE6AC

اواني فضية من القرن الاول للميلاد 
https://www.panoramadelart.com/sites/default/files/styles/grand/public/F068-skyphos-boscoreale-a-f.jpg?itok=R2mRyFi2 


فالحركة التجارية التي قامت على هذه الطرق , بلغت شائنا مهما ولاشك, ويقول سترابون ان 120 سفينة كانت تنطلق كل سنة في عهد اغسطس من مدينة ميوس هورموس في اتجاهات عديدة , والكتاب الذي ظهر تحت اسم رحلة في بحر اريتيريا - البحر الاحمر- كان يشير الى بعض السلع كالنبيذ والزجاج عالي الجودة والفسيفساء الزجاجية ومصنوعات معدنية متنوعة ومن المصادر الصينية ما تذكر أن العناصر الكمالية للمنتوجات الرومانية الأخرى كانت محترمة من قبل الصينيين. وتشمل هذه المنتوجات السجاجيد المطرزة بالذهب والقماش ذو اللون الذهبي والارجواني والكهرمان وقماش الأسبستوس, ويذكر المؤرخ الروماني بلين الكبير ان المرجان كان نادرا في جميع انحاء الامبراطورية , لانه كان يصدر دوما الى الهند , اضافة ال قطع الفخار الفاخر والخزف الاحمر , ذات الرسم النافر التي عثر عليها المنقبون في الاماكن في الشرق الاقصى , تشهد على تصدير الادوات الفخارية الفاخرة, غير ان الصناع الهنود تمكنوا من تقليد هذه الاصناف , كذالك عثر المنقبون على بعض الحلي والمجوهرات وان جاءت على نطاق ضيق , وكان الرومان يقبضون ثمن هذه السلع معادن ثمينة و خلال القرن الأول الميلادي ، بلغت القيمة الإجمالية للسلع المستوردة من التجارة البحرية القادمة من منطقة المحيط الهندي (بما في ذلك تجارة الحرير والتوابل) ما يفوق 1000 مليون سسترس، مما سمح للدولة الرومانية بالحصول على 250 مليون سسترس sesterces من هذا الرقم كقيمة على الضرائب المفروض على السلع المستوردة ,كما تم جمع 25 مليونًا إضافيًا من إيرادات الدولة بفضل الضريبة المفروضة على السلع الرومانية  المصدرة والمحملة على السفن المتجهة إلى الجزيرة العربية. والهند  , والتي كان نصفها يمر عبر البحر الاحمر , وكان سكان الهند يبحثون باهتمام عن النقد الروماني والعملة الامبراطورية , ثم راحوا يقلدونها وبعدها راحوا يصهورنها ويعيدون تدوريها في امبراطورية الكوشان  اذ ان قطع الذهب الهندية كانت من نفس عيار الاريوس الروماني , وهو ماتسبب بنزيف حاد للعملة الرومانية ..

وكنتيجة لارتفاع تكاليف ونفقات الاستيراد العالية لهذه السلع الكمالية من الشرق, راح الامبراطور تيبريوس يتململ اما مجلس الشيوخ من ان ثروة الامبراطورية وغناها يتسربان الى البرابرة والى الاعداء في بارثيا , ثمنا للحرير والاحجار الكريمة والمجوهرات التي كان يسعى الاغنياء لاقتنائها والتي كانت تستنزف الخزينة الامبراطورية وتحت ضغط تيبريوس اصدر مجلس الشيوخ الروماني عام 14 م مرسوما يحظر ارتداء الحرير واستعمال العطور على اعضاء مجلس الشيوخ ,ومع هذا فقد استمر تدفق الحرير والعطور دون هوادة على العالم الروماني , وفي كتابه التاريخ الطبيعي Naturalis Historia اشار بليني الاكبر بمرارة عن استنزاف الطبقة العليا للعملة الرومانية مقابل شراء هذا الترف الباهظ ومانجم عنه من اختلال في التوازن التجاري واالانفاق الهائل لكمية العملة المعدنية المستخدمة في شراء الحرير حيث يقول  :

{{ الهند والصين وجزيرة العرب تاخذ 100 مليون ستسرس سنويا من امبراطوريتنا  , هذا ما تكلفنا اياه رفاهيتنا ونسائنا minimaque computatione - miliens centena milia sestertium annis omnibus India et Seres et paeninsula illa imperio nostro adimunt: tanti nobis deliciae et feminae constant. quota enim portio ex illis ad deos, quaeso, iam vel ad inferos pertinet  }}  

وفي نفس سياق المؤرخ بيلني الاكبر ذهب المؤرخ الروماني تاسيت عام 65 ميلادي لاعتبار ان عادات ارتداء الحرير والمجوهرات والعطور من طرف الرجال وظهور النساء بها بدون احتشام هي انحلال اخلاقي بحت ناجم عن تسرب المؤثرات الاغريقية والشرقية الى المجتمع الروماني  حيث يقول : 

{{ استطيع ان ارى ملابس من الحرير , انها مواد لاتخفي الجسد ولا حتى الحشمة , هل يمكن ان تسمى هذه ملابس , طوابير من الخدمات البائسات يعملون حتى تكون المراءة الساقطة مرئية من خلالها ثوبها الرفيع , حيث يكون لزوجها نفس الاطلاع الذي يطلع عليه اي رجل اجنبي على جسد زوجته }}

ومن الصعب اعتبار هذا النوع من الكتابات يعوز الى مجرد التخوف الاخلاقي على سلوكيات وتقاليد المجتمع الروماني بقدر ما تفهم على انها علامات تدل على ان النخبة الرومانية كانت تدرك تماما المشاكل المتعلقة بتاثير الكماليات على الطبقة العليا للمجتمع الروماني ومخاطر تاثيرتها الاقتصادية والاجتماعية , ولكي نتمكن من تقرير الاذى الذي لحق بتجارة الامبراطورية الرومانية لا بد لنا من احصائات دقيقة حول مقادير لمعادن الثمينة المنتجة انذاك وما يتسرب منها الى الخارج  ومقارنتها بالبضائع والكماليات الغير الضرورية التي كانوا يتصيدونها باغلى الاثمان من الخارج ويتباهون بحملها , فقد حالت اخلاق العصر المتمكنة من النفوس دون امتثال الناس لتوصيات السلطات ونواهيها وفوتت على الامبراطورية , امكانية الاكتفاء الذاتي المتوفرة لديها , وهكذا راحت طبقة غنية ثرية في روما تستلم بكليتها لتيارات البذخ والاسراف القادمة من الشرق الهيلينستي مهددتا قدرات الامبراطورية واقتصادها بالخراب والانهيار الحتمى